|
|
الهند في
الاعلام العربي:
الهند تدلنا على لعنة "الأموال السوداء"
ريموند بيكر
أشعل زعيم حزب المعارضة الهندي، إل . كي.
أدفاني، حريقاً سياسياً بملاحظاته السابقة للحملة الانتخابية،
التي أورد فيها الهند كانت تخسر عشرات المليارات من الدولارات
سنوياً من خلال تدفقات أموال خارجية بصورة غير مشروعة، أو
"أموال سوداء". وأكد أن التحالف الديمقراطي الوطني سيتابع
استعادة هذه الموجودات المفقودة إذا تم انتخابه. وفي ظل
العملية الانتخابات أصبحت قضية مليارات الهند المفقودة أشد
حدة، مع تعهد الجانبين المتنافسين بالتزام الجانب الأخلاقي
الأسمى.
أياً كانت نتيجة الانتخابات، فإن مشكلة الهند فيها مضامين أوسع
سواء للعالم النامي، أو لجهود مجموعة العشرين المكونة من دول
متقدمة ونامية، لوضع خطة اقتصادية فعالة لما بعد الأزمة، من
أجل نظام مالي عالمي.
أشار أدفاني في مناقشاته الخاصة بالأموال السوداء إلى
تقديراتنا الخاصة بالهروب غير المشروع لرأس المال، التي تقول
إن هناك تدفقات خارجية غير مشروعة من العالم النامي تقدر بـ
1000 مليار دولار سنوياً. واحتلت الهند المرتبة الخامسة بمبلغ
يراوح بين 22 و27 مليار دولار سنوياً. وجاءت قبلها بلدان من
بينها روسيا (32- 38 مليار دولار)، والمكسيك (41- 55 مليار
دولار)، والصين 233- 289 مليار دولار).
ومعظم التدفقات الخارجية من البر الصيني نتجت عن التسعير
التجاري الخاطئ، وهو ممارسة شائعة تتلاعب فيها الشركات متعددة
الجنسيات بأرقام التجارة والعوائد، لتقليل التزاماتها
الضريبية. وباعتباره وسيلة مشهورة للتهرب الضريبي من جانب
الشركات، يعد التسعير التجاري الخاطئ القوة الدافعة وراء معظم
الهروب غير المشروع لرأس المال من الدول النامية.
وكانت روسيا التي حلت في المرتبة الثالثة، استثناء من قاعدة
التسعير التجاري الخاطئ، لكونها مصدرا للنفط الذي يصعب تسعيره
بصورة خاطئة.
إن مردودات النشاط الإجرامي والفساد والتهرب الضريبي سرية
بطبيعتها، وتنتهي في العادة في مراكز ذات ضوابط مخففة وسرية
عالية. ويزيد هذا الأمر من صعوبة دراسة التدفقات المالية غير
المشروعة.
والهند هي أحدث دولة تثير المخاوف حول هروب رأس المال غير
المشروع. وبعد فضائح مدوية طالت ليختنشتاين وسويسرا، طالبت
مجموعة العشرين بتعاون أوسع في متابعة وملاحقة النظام المالي
العامل في الظل. ويتكون هذا النظام من مراكز تعتبر ملاذات
ضريبية، ودوائر قضائية تسمح بالسرية، وشركات متخفية، وحسابات
صناديق غير معلنة الأسماء، ومؤسسات زائفة، وآليات منوعة لغسل
الأموال، مصممة لتحريك الأموال وإضفاء الغموض على مصادرها.
والأمر الذي لا يزال غائباً هو الإصلاحات الراسخة المطلوبة
لتفكيك هذه الشبكة العاملة في الظل وفرض شفافية أعظم، ومساءلة،
في النظام المالي العالمي. ومجموعة العشرين على استعداد لقبول
معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لتبادل معلومات
الضرائب، وهي ذات معنى جيد، لكنها أسلوب ضعيف لمواجهة المشكلة.
وبينما يجب الترحيب بمعظم ترتيبات مجموعات العشرين التي نشرت
على نطاق واسع بخصوص وجوب توقيع عدد من الملاذات الضريبية
اتفاقيات لتبادل المعلومات، فإن هذه الاتفاقيات مزعجة وبطئية
بصورة غير عادية. ويظل من مسؤولية الدولة طالبة المعلومات أن
تثبت أن المعلومات المطلوبة ذات "علاقة واضحة" بالجريمة
المشكوك فيها، أو بالتهرب الضريبي. وأكثر من ذلك أن الملاذات
الضريبية والدوائر القضائية الداعمة للسرية لا يطلب منها تقديم
معلومات جمعتها في ظروف غير عادية. ووفقاً لمعايير منظمة
التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن جميع عناصر النظام المالي
العالمي العامل في الظل يمكن أن تظل فاعلة.
وما ينبغي أن يحدث الآن، هو أن توسع مجموعة العشرين حوارها حول
اتفاقيات تبادل المعلومات والتعاون الدولي وبروتوكولات التمويل
الدولية. والأمر الأكثر فاعلية في تقليص التدفقات الكبرى غير
المشروعة من الدول النامية، هو متطلب يتعلق بتبادل أوتوماتيكي
لمعلومات الضرائب عبر الحدود على الحسابات الشخصية، وحسابات
الشركات، وتقارير من جانب بلدان العالم حول المبيعات،
والأرباح، والضرائب التي تدفعها الشركات متعددة الجنسيات.
إن قضية الأموال السوداء الهندية يجب أن تعتبر إشارة إلى قادم
الأمور. ومن المتوقع أن تكون للانكماش العالمي آثار حادة على
اقتصادات الدول النامية، وكذلك أثار سيئة على جهود سنوات من
محاولات القضاء على الفقر وتحقيق مكاسب اقتصادية. وإلى أن
تكتمل الجهود لتفكيك النظام المالي العامل في الظل، سيظل
النجاح سراباً، شأنه في ذلك شأن الأموال السوداء الهندية
المفقودة.
أظهرت الهند أن لهذه القضية صداها لدى الناخبين. وسيكون من
الحكمة للسياسيين في الدول الديمقراطية الأخرى أن يدونوا
ملاحظاتهم في هذا الشأن.
|
|
